حديث الملحمة في آخر الزمان
لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بالأعْماقِ منذ يوم لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بالأعْماقِ، أوْ بدابِقٍ، فَيَخْرُجُ إليهِم جَيْشٌ مِنَ المَدِينَةِ، مِن خِيارِ أهْلِ الأرْضِ يَومَئذٍ الحديث: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بالأعْماقِ، أوْ بدابِقٍ، فَيَخْرُجُ إليهِم جَيْشٌ مِنَ المَدِينَةِ، مِن خِيارِ أهْلِ الأرْضِ يَومَئذٍ، فإذا تَصافُّوا، قالتِ الرُّومُ: خَلُّوا بيْنَنا وبيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقاتِلْهُمْ، فيَقولُ المُسْلِمُونَ: لا، واللَّهِ لا نُخَلِّي بيْنَكُمْ وبيْنَ إخْوانِنا، فيُقاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ اللَّهُ عليهم أبَدًا، ويُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ، أفْضَلُ الشُّهَداءِ عِنْدَ اللهِ، ويَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لا يُفْتَنُونَ أبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبيْنَما هُمْ يَقْتَسِمُونَ الغَنائِمَ، قدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بالزَّيْتُونِ، إذْ صاحَ فِيهِمِ الشَّيْطانُ: إنَّ المَسِيحَ قدْ خَلَفَكُمْ في أهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ، وذلكَ باطِلٌ، فإذا جاؤُوا الشَّأْمَ خَرَجَ، فَبيْنَما هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتالِ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ، إذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأمَّهُمْ، فإذا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ، ذابَ كما يَذُوبُ المِلْحُ في الماءِ، فلوْ تَرَكَهُ لانْذابَ حتَّى يَهْلِكَ، ولَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بيَدِهِ، فيُرِيهِمْ دَمَهُ في حَرْبَتِهِ. » [الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2897 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]] الشرح: أخبَرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أحداثِ آخِرِ الزَّمانِ، وما يكونُ فيها مِن فِتنٍ وشدائدَ، وما يَحصُلُ فيها لأُمَّةِ الإسلامِ، وبيَّن سَبيلَ الخلاصِ مِن كلِّ ذلك. وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا تقومُ السَّاعةُ ولا يَنْتهي أجلُ الدُّنيا حتَّى تَنزِلَ الرُّومُ بِالأعماقِ أو بِدابقٍ، والأعماقُ ودَابقٌ مَوضعانِ بِالشَّامِ بِالقُربِ مِن حَلَبٍ، فيَنزِلُ الرُّومُ بأحدِ هذينِ الموضعينِ لقِتالِ المسْلِمين، فَيخرجُ إليهم جيشٌ مِنَ المدينةِ المذكورةِ، وهي حَلبُ، وقيل: المرادُ مِن المدينةِ دِمَشقُ، وأمَّا ما قِيل مِن أنَّ المرادَ بالمدينةِ مَدينةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فضعيفٌ؛ لأنَّ المرادَ بالجيشِ الخارجِ إلى الرُّومِ جَيشُ المَهديِّ؛ بدَليلِ آخِرِ الحديثِ، ولأنَّ المدينةَ المنوَّرةَ تكونُ خَرابًا في ذلك الوقتِ. فيَخرُجُ إليهم جَيشٌ هو مِن خِيارِ أهلِ الأرضِ يومَئذٍ؛ وقوله: «يومَئذٍ» احترازًا مِن زمنِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا تَصافُّوا ووقَفَ الطَّرَفانِ في مُواجَهةِ بعضِهما للحربِ، قالتِ الرُّومُ: «خَلُّوا بيْنَنا وَبَيْنَ الَّذينَ سَبَوْا مِنَّا»، أي: اتْرُكوا الَّذين قاتَلُونا منكم قبْلَ ذلكَ وأسَروا بعضَ أهلِنا لنَقتُلَهم؛ فالمعنى: إنَّنا لا نُريدُ أنْ نُقاتِلَ إلَّا الرِّجالَ الَّذين غَزَوا بِلادَنا وسَبَوا ذَرارِيَّنا، والرُّومُ بذلك يُريدونَ مُقاتَلةَ المؤمنينَ ومُخادعَةَ بعضِهم عَن بعضٍ، ويَبغونَ بِه تفريقَ كلِمَتِهم، وُرِوي «سُبُوا»، ومعناه: إنَّنا إنَّما نُريدُ أنْ نُقاتِلَ الَّذين كانوا منَّا أوَّلًا فسَباهُم المسْلِمون حتَّى أسْلَموا بعْدَ إقامتِهم بدارِ الإسلامِ وجَعَلوا يُقاتِلوننا مِن هناكِ. وقيل: كِلا الضَّبطينِ صَوابٌ؛ لأنَّهم سُبوا أوَّلًا ثمَّ سَبَوا الكفَّارَ، ومُعظَمُ عَساكرِ الإسلامِ في بلادِ الشَّامِ ومِصرَ سُبُوا أوَّلًا، ثمَّ قاتَلوا الكفَّارَ وسَبَوهم، فأخَذوا منهم أسْرى. فيَرفُضُ المسْلُمون، ويَقولون: لا واللهِ لا نُخَلِّي بيْنَكم وبيْن إخوانِنا المسْلِمين، فيُقاتِلُ المسْلمونَ الرُّومَ الكفَرةَ، فَينهزِمُ ثُلثُ الجيشِ مِنَ المسْلِمينَ، وهؤلاء لا يَتوبُ اللهُ عليهم أبدًا، ولعلَّ ذلك لفِرارِهم مِن الحربِ، ويكونُ هؤلاء ممَّن شاء اللهُ تعالَى ألَّا تُقبَلَ تَوبتُهم؛ لعَظيمِ جُرمِهم، وقيل: هو كِنايةٌ عَن مَوتِهم على الكفرِ، وأنَّ عَذابَهم في الآخرةِ يكونُ أبدًا. ثمَّ يُقتَلُ ثُلثٌ آخَرُ مِن جَيشِ المسْلِمين في تلكَ اِلحرب، وهؤلاء هُم أفضلُ الشُّهداءِ عِندَ اللهِ، ثمَّ يَفتَتِحُ ويَنتصِرُ الثُّلثُ الباقي مِن المسلِمينَ، ويَغْلِبون الرُّومَ ولا يُفتَنونَ في دِينِهم، فلا يَقَعون في فِتنةِ الكفرِ أبدًا وتَحسُنُ عاقبتُهم، ولا يُبتلَوْنَ بِبليَّةٍ، أو لا يُمتحنونَ بِمقاتَلةٍ، أو لا يُعذَّبون أبدًا، وقيل: لا تقَعُ بيْنهم فِتنةُ الاختلافِ وغيرِه، وفي هذا إشارةٌ إلى حُسنِ خَاتمتِهم. فيفَتتِحونَ قُسطَنْطِينيَّةَ، ويَأخذونَها مِن أيدي الكفَّارِ، وهي مَدينةٌ عَظيمةٌ مِن أعظَمِ بِلادِ الرُّومِ، وهي اليومَ مَدينةُ إسطنبولَ، ولعلَّ المرادَ مِن الرُّومِ النَّصارى؛ لأنَّ أهلَ الرُّومِ كانوا يومئذٍ نَصارى. فبيْنَما المسْلِمونَ يَقْتسِمونَ الغنائمَ الَّتي أخَذوها عَنْوةً مِن الرُّومِ، وقدْ علَّقُوا سُيوفَهم بِأشجارِ الزَّيتونِ -وهو دليلٌ على كَمالِ الأمْنِ- إذ يَصرُخُ فيهمُ الشَّيطانُ ويُنادي بِصوتٍ مُرتفعٍ، فيُخبِرُهم أنَّ المسيحَ الدَّجَّالَ قدْ قامَ مَقامَكم في أهلِيكم، وفي ذَرَارِيِّكم بالشَّرِّ، والدَّجَّالُ هو شَخصٌ مِن بني آدَمَ، يَدَّعي الأُلوهيَّةَ، وظُهورُه مِن العلاماتِ الكُبرى ليَومِ القِيامةِ، يَبتَلي اللهُ به عِبادَه، وأَقْدَره على أشياءَ مِن مَقدوراتِ اللهِ تعالى؛ مِن إحياءِ الميِّتِ الَّذي يَقتُلُه، ومِن ظُهورِ زَهرةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه، وجَنَّتِه ونارِه، ونَهْرَيْهِ، واتِّباعِ كُنوزِ الأرضِ له، وأمْرِه السَّماءَ أنْ تُمطِرَ فتُمطِرَ، والأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ؛ فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدرةِ اللهِ تعالَى ومَشيئتِه، وسُمِّيَ مَسِيحًا؛ لأنَّه مَمْسوحُ العَيْنِ مَطْموسُها، فهو أَعْوَرُ، وقيل غيرُ ذلك. فيَخرُجونَ مِن قُسْطَنطينِيَّةَ راجِعِين إلى أهلِيهم، وذلك القولُ مِنَ الشَّيطانِ باطلٌ، أي: غيرُ صَحيحٍ، فإذا جاء المسْلِمونَ مِن القُسَطنطينيَّةِ إلى الشَّامِ وتحديدًا إلى إيلياءَ قَريةٍ ببَيتِ المقدِسِ، خرَجَ الدَّجَّالُ حَقيقةً، قيل: يَحتمِلُ أنْ يكونَ مَجيئُهم إلى الشَّامِ وخُروجُ الدَّجَّالِ مُتَّصلًا بفتْحِ القُسْطنطينيَّةِ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ ذلكَ بعْدَ الفتحِ بكَثيرٍ، وبيْنما المسْلِمون يَستعِدُّون ويَتهيَّؤُونَ لقتالِ الدَّجَّالِ وأتباعِه مِن اليهودِ والنَّصارى ويُسوُّونَ الصُّفوفَ؛ إذْ حضَرَتْهم الصَّلاةُ وأُقِيمَت، فَينزِلُ عِيسى ابنُ مَريمَ عليه السلام، فَأَمَّهم، أي: فيَحضُرُ عِيسى عليه السَّلامُ مع المسْلِمينَ صَلاتَهم تلكَ، لا أنَّه يَؤُمُّهم ويَقتَدُون به؛ ففي الصَّحيحينِ: «كيْف أنتم إذا نزَلَ ابنُ مَريمَ فيكم وإمامُكم منْكم؟» أي: إنَّ عِيسى عليه السَّلامُ يُصلِّي الجَماعةَ مع المُسلِمين، ويكونُ الإمامُ مِن أُمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو المَهْديُّ، كما في الرِّواياتِ الأُخرى، وليس عِيسى عليه السَّلامُ، وهذا تَكريمٌ لهذه الأُمَّةِ، فيُصلِّي مَأمومًا؛ حتَّى يَعلَمَ الجميعُ أنَّه لم يَنزِلْ بشَرعٍ أو رِسالةٍ جديدةٍ. ويكونُ الدَّجَّالُ حينئذٍ مُحاصِرًا للمسْلِمين، فإذا جاء الدَّجَّالُ عدُوُّ اللهِ ورَأى عِيسى عليه السَّلامُ، شرَعَ الدَّجَّالُ في الذَّوبانِ كما يَذوبُ المِلحُ في الماءِ، فلو تَرَكه عِيسى عليه السَّلامُ ولم يقتُلْه؛ لَانْذابَ الدَّجَّالُ حتَّى يَهلِكَ بِنفسِه بِالكلِّيَّةِ، ولكنْ يَقتُلُه اللهُ بِيَدِ عيسى عليه السَّلامُ، فَيُرِيهم دمَ الدَّجَّالِ في حرْبَتِه، وهي رُمحٌ صَغيرٌ؛ وذلك ليَظهَرَ بوُضوحٍ للمؤمنينَ ويَزدادَ إيمانُهم بكونِ الدَّجَّالِ كان يَتلعَّبُ بأعينِ النَّاسِ، ولو كان عِنده القدرةُ -كما زعَمَ- لَدفَعَ عن نفسِه القتْلَ والموتَ. وفي الحديثِ: إخبارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الغَيبيَّاتِ. وفيه: بَيانُ فِتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ. وفيه: بَيانُ الملحمَةِ الكبرى. وفيه: أنَّ مِن عَلاماتِ السَّاعةِ فتْحَ القُسْطنطينيَّةِ، وهذا الفتحُ غيرُ الفتحِ الَّذي وَقَع على يَدِ محمَّدٍ الفاتحِ سنةَ (857 هـ)، بلِ المرادُ هنا فتحُ المَهديِّ لها آخِرَ الزَّمانِ، واللهُ تعالَى أعلمُ. وفيه: بَيانُ نُزولِ عِيسى عليه السَّلامُ مِن السَّماءِ في ذلكَ الوقتِ. وفيه: بَيانُ مُعجِزةِ عِيسى عليه السَّلامُ؛ حيث إنَّ الدَّجَّالَ الجبَّارَ مع تَجبُّرِه يَذوبُ كما يَذوبُ المِلحُ في الماءِ بمُجرَّدِ رُؤيتِه.
--------------
الملحمة وخروج الدجال
تابع العلامات الكبرى من الملحمة وفتح القسطنطينية وخروج الدجال والقحط والمجاعة قبل خروجه تابع العلامات الكبرى - فتنة الدجال: فتنة الدجال تقع في آخر الزمان، وهي إحدى أشراط الساعة الكبرى، وفتنته من أعظم الفتن التي تمر على البشرية عبر تاريخها. ومن أجل ذلك فإن جميع الأنبياء حذروا أقوامهم من فتنته، ولكن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان أكثر تحذيرًا لأمته منه. ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: «إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه، إنه أعور وإن الله ليس بأعور» (رواه البخاري). وعن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب كافر» (رواه البخاري ومسلم). وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أيها الناس، إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض، منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم فتنة من الدجال، وإن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا حذر أمته من الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة» (صححه الألباني). - السر في تسميته بالمسيح الدجال: يقول ابن الأثير: "سمي الدجال مسيحاً، لأن عينه الواحدة ممسوحة، والمسيح: الذي أحد شقي وجهه ممسوح، لا عين له ولا حاجب، فهو فعيل بمعنى مفعول، بخلاف المسيح عيسى ابن مريم، فإنه فعيل بمعنى فاعل، سمي به، لأنه كان يمسح المريض فيبرأ بإذن الله، والدجال: الكذاب". وسمي دجالاً -كما يقول ابن حجر-: "لأنه يغطي الحق بباطله، ويقال: دجل البعير بالقطران إذا غطاه، والإناء بالذهب إذا طلاه...، وقال ابن دريد: سمي الدجال، لأنه يغطي الحق بالكذب، وقيل: لضربه نواحي الأرض... وقيل: بل قيل ذلك، لأنه يغطي الأرض". - حال المسلمين في العصر الذي يخرج فيه الدجال: قبيل خروج الدجال يكون للمسلمين شأن كبير، وقوة عظيمة، ويبدو أن خروجه إنما هو للقضاء على تلك القوة، ففي ذلك الوقت يصالح المسلمون الروم، ويغزون جميعاً عدواً مشتركاً فينصرون عليه، ثم تثور الحرب بين المسلمين والصليبين وتقع الملحمة. - الملحمة وفتح القسطنطينية: والملحمة معركة كبيرة هائلة تقع بين المسلمين والصليبيين، وقد جاء أكثر من حديث يصف هذه المعركة وهولها، وكيف يكون صبر المسلمين فيها، ثم يكون النصر لهم على أعدائهم، ويلاحظ أنه يكون في صفوف المسلمين أعداد كبيرة من النصارى الذين أسلموا وحسن إسلامهم... عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق، أو بدابق» -(موضعان بالشام قرب حلب)-، «فيخرج لهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا، والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية» -(هذا فتح آخر غير الذي تم على يد محمد الفاتح)-، «فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فَأَمَّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته» (رواه مسلم). وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عن هول تلك المعركة، وعن الفدائية التي تكون في صفوف المسلمين، حتى إن مجموعات من المسلمين يتبايعون على القتال حتى النصر أو الموت ثلاثة أيام متوالية، ويبدو أن أعداد المسلمين في تلك الأيام قليلة، بدليل أن المسلمين ينتصرون عندما يصلهم المدد من بقية أهل الإسلام. - القحط والمجاعة قبل خروج الدجال: يبتلى الناس قبيل خروج الدجال بلاءً شديداً، فتمنع السماء القطر، وتحبس الأرض النبات، عن أبي أمامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله، فلا تنبت خضراء، فلا يبقى ذات ظلف، إلا هلكت إلا ما شاء الله». قيل: فما يُعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: «التهليل، والتكبير، والتحميد، ويجزئ ذلك عليهم مجزأة الطعام» (صححه الألباني). (من كتاب: القيامة الصغرى)
===========
المسيح الدجال - [3] المطلب الثاني:
مكان وزمان خروج الدجال، والبقاع المحرم عليه دخولها
إن خطر فتنة الدجال كبير، لذلك كثر تحذيره صلى الله عليه وسلم من فتنة الدجال، وذكر أموراً كثيرة تتعلق بهذه الفتنة من ذكر صفاته، ومكان خروجه، وصفة الزمن الذي يخرج فيه، وفتنته التي يجريها الله على يديه؛ ليكون المؤمن على بينة من أمر هذا الدجال ليحذره. إن خطر فتنة الدجال كبير، لذلك كثر تحذيره صلى الله عليه وسلم من فتنة الدجال، وذكر أموراً كثيرة تتعلق بهذه الفتنة من ذكر صفاته، ومكان خروجه، وصفة الزمن الذي يخرج فيه، وفتنته التي يجريها الله على يديه؛ ليكون المؤمن على بينة من أمر هذا الدجال ليحذره. فمن أين يخرج الدجال؟! أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من قبل المشرق، من منطقة خراسان من بلدة أصبهان، فمن هنا يكون بدء خروجه، ثم يسير في الأرض، فلا يترك بلداً إلا دخله إلا ما حرم عليه دخوله من: مكة، والمدينة، والمسجد الأقصى، ومسجد الطور كما سيأتي، وفي حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال : «ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق» (صحيح مسلم مع شرح النووي [18/83]). وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان»" [1]. وعن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفاً من اليهود» [2]. متى يخرج الدجال؟ لم تحدد السنة عاماً محدداً لخروجه، ولكن ذكرت أمارات يدل وقوعها على قرب خروجه، ومن هذه الأمارات: 1. قلة العرب: فروى مسلم في صحيحه، عن أم شريك أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليفرن الناس من الدجال في الجبال»، قالت أم شريك: "يا رسول الله، فأين العرب يومئذ"، قال: «قليل» [3]. 2. الملحمة وفتح القسطنطينية: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك ملحمة كبرى ستقع بين المسلمين والروم، ينتصر فيها المسلمون، ويفتحون القسطنطينية، وبالتكبير، والتهليل تسقط أسوارها، وعند اقتسامهم الغنيمة بعد الفتح يسمعون صريخاً أن "الدجال قد خلفكم في ذراريكم" فكان فتح القسطنطينية، وغزو الروم مؤذناً بخروج الدجال. روى أبو داود، عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عمران بيت المقدس، خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال» [4]. وروى مسلم، عن جابر بن سمرة، عن نافع بن عتبة رضي الله عنهما أنه قال: "حفظت منه - من رسول الله صلى الله عليه وسلم - أربع كلمات أعدهن في يدي قال: «تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله عز وجل، ثم فارس فيفتحها الله عز وجل، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله»، قال: "فقال نافع: "يا جابر، لا نرى أن الدجال يخرج حتى تفتح الروم"" [5]، وهذه الأحاديث تدل أن للمسلمين حينها قوة وشأناً. 3. انحباس المطر والنبات: من أمارات خروج الدجال ما يصيب الناس من إجداب لأرضهم، وقحط في أوقاتهم لانحباس المطر عنهم، فيبتلون بلاءً شديداً، ويفزع الناس حينئذ للتسبيح والتهليل فهو معاشهم بدل الماء والطعام ، حينها يخرج الدجال ومعه الأطعمة والأشربة ليفتن بها الناس. ففي سنن ابن ماجه، وصحيح ابن خزيمة، ومستدرك الحاكم، عن أبي أمامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله، فلا تنبت خضراء، فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت، ما شاء الله»، قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟، «قال: التهليل، والتكبير، والتحميد، ويجزئ ذلك عليهم مجزأة الطعام»[6]. 4. ذكر الدجال ثلاث علامات لخروجه كما في حديث تميم الداري - والذي سيأتي بتمامه إن شاء الله في المبحث الثاني - ذكر أن من علامات خروجه: جفاف بحيرة طبرية الواقعة بالشام، وجفاف عين زغر وهي بلدة قريبة من بيت المقدس، وتوقف نخل بيسان عن إعطاء الثمر، وبيسان قرية بالشام جنوبي طبرية، وأيضا ناحية باليمامة. 5. قلة ذكره على المنابر، وشيوع الجهل به: :فهذه أمارات وعلامات تؤذن بخروج الدجال حين حدوثها[7]. البقاع المحرم عليه دخولها: تقدم أن الدجال يخرج من خراسان، ويسيح في الأرض بعدها، فلا يترك مكاناً إلا وطئه ودخله، وعمه بفتنته، ولكن حرم الله تعالى عليه مدناً ومساجد لا يستطيع دخولها؛ تحرسها الملائكة، وتمنعه منها مع قدومه إليها رغبة في دخولها ولكن هيهات! فالملائكة له بالمرصاد. فمن المدن المحرمة عليه: مكة والمدينة، لما في حديث تميم الداري قوله: «غير مكة وطيبة فهما محرمتان عليه كلتاهما»[8]. والمساجد المحرمة عليه أربعة؛ لما في الحديث، عن جنادة بن أبي أمية الأزدي قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الدجال، وقال إنه يمكث في الأرض أربعين صباحاً يبلغ فيها كل منهل، ولا يقرب أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الطور، ومسجد الأقصى" [9]. -------------------------------- [1] (رواه الترمذي في كتاب الفتن باب ما جاء من أين يخرج الدجال [9/88]، عارضة الأحوذي). [2] (الفتح الرباني ترتيب مسند أحمد [24/73]، وانظر في مكان خروجه - فتح الباري [13/91]، وأشراط الساعة للوابلي [308]). [3] (صحيح مسلم مع شرح النووي [18/86]، كتاب الفتن، باب بقية من أحاديث الدجال). [4] (رواه أبو داود في كتاب الملاحم، باب في أمارات الملاحم [17/208]، من بذل المجهود). [5] (رواه مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة [18/26] بشرح النووي). [6] (صحيح الجامع للألباني [2/1302]، برقم [775 ]). [7] (انظر : لوامع الأنوار [22/107-111]، فقد جاء أشراطها لمحمود علي [349]، القيامة الصغرى للأشقر [231 ] عمر أمة الإسلام، وقرب ظهور المهدي لأمين جمال الدين [91]). [8] (رواه مسلم في صحيحه [17/83]، بشرح النووي). [9] (الفتح الرباني [24/76]، وقال ابن حجر في الفتح [13/15]، أخرجه أحمد، ورجاله ثقات). المصدر: مجلة البحوث الإسلامية- العدد الخامس والثمانون - الإصدار: من رجب إلى شوال لسنة 1429هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق